بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اختلف الفقهاء في الأخذ من اللحية كما اختلفوا في حكمها، فمنهم من يرى أن اللحية واجبة الإعفاء والترك، لا يؤخذ منها شيء على الإطلاق، ومنهم من قيده بأن يكون الأخذ ما زاد عن القبضة، ومنهم من يرى أن الأخذ دون قبضة اليد جائز، وأنه من حسن الهيئة والمنظر، وما نرجحه أن إعفاء اللحية سنة مؤكدة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحلقها مكروه، وهذا في حالات الاختيار وليس في حالة الضرورة ، فالضرورات تبيح المحظورات وفي الأمور الخلافية يحسن البعد عن التعصب، على أن من يرى أن اللحية سنة يجيز الأخذ منها .
أما عدم الصلاة وراء حالق اللحية فلم يقل به أحد من العلماء المعتبرين فالفقهاء متفقون على جواز الصلاة وراء كل بر وفاجر.
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق– رحمه الله -:
تكلم الفقهاء على حلْق اللحى، فرأى بعضهم أنه مُحرَّم، ورأى آخرون أنه مكروه، ومنهم من شدَّد فوصفه بأنه من "المنكرات"، وبأنه "سَفَهٌ وضلالة أو فِسْقٌ وجهالة".
ونحن لا نشكُّ في أن إبقاءها وعدم حلْقها كان شأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه كان يأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها، ويجعلها مُتناسبة مع تقاسيم وجهه الشريف، وأنه كان يُعنَى بتنظيفها وتخليلها بالماء، عملًا على كمال النظافة. وكان الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ يُتابعونه في كل ما يختاره ويسير عليه في مظهره وهيئته، حتى مِشْيته.
مِن سُنن الفِطْرة:
وقد وردت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديثُ تُرغِّب في توفيرها ضمن أمور تتصل كلها بالنظافة، وتحسين الهيئة وإظهار الوَقار، وعُرفت تلك الأحاديث عند العلماء بأحاديث: "خِصال الفِطْرة أو سُننها" والكلمة تَعني الآن الأشياء التي تتفق وخُلُق الإنسان في أحسن ما شاء الله من الصور، وكان في هذه الخصال الواردة مع إعفاء اللحية في تلك الأحاديث: "السواك، وقصّ الشارب والأظافر، وغسل البراجم: وهي عُقد الأصابع ومعاطفها، واستنشاق الماء وإزالة شعر الإبِط والعانة والختان" وقد أخذت هذه الخصال عند كثير من الفقهاء الباحثين عن أحكام الشريعة حكم السُّنية أو الاستحباب، وأخذت حكم الكراهة، وإعفاء اللحية واحدة من هذا الخصال لا يعدو حُكمه حُكمها وهو السُّنية والاستحباب.
على أن كلمة سُنة أخذت في دور الاجتهاد غير مَعناها في زمن التشريع، فهي عندهم ما يُثاب المرء على فعْله ولا يُعاقب على تركه. وقد كان معناها الطريقة العملية التي يستحسنها الناس، ويرى فيها النبيُّ ما يرون فيها، فيسير عليها ويُرغِّب أصحابه فيها.
عادةٌ قديمة:
وقد أرشدنا التاريخ في قديم العرب وغيرهم إلى أن إعفاء اللحْية كان عادة مُستحسنة، ولا يزال كذلك عند كثير من الأمم في علمائها وفلاسفتها، مع ما بينهم من اختلافٍ في الدين والجنسية والإقليم. يَرون فيها مظهرًا لجمال الهيئة، وكمال الوقار والاحترام.
والرسول ـ عليه السلام ـ مِن دأبه إرشاد أمته إلى ما يجعلهم في مقدمة أرباب العادات المُسْتحسنة، التي تُوفر بحسب العُرف مظاهر الوقار، وجمال الهيئة.
ومِن ذلك جاءت أحاديث الترغيب في توفير اللحْية، كما جاءت أحاديث الترغيب في السواك وتنظيف عُقد الأصابع ومَعاطفها.
الأمر بمُخالفة المُشركين:
نعم جاء في أحاديثَ خاصةٍ باللحية الأمر بالإعفاء والتوفير وعَلَّلَتْ ذلك بمُخالفة المجوس والمشركين، ومن هنا فقط أخذ بعض العلماء أن حلْق اللحْية حرام أو مُنكَر.
والذي نعرفه في كثير مما ورد عن الرسول في مثل هذه الخصال أن الأمر كما يكون للوجوب يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدين إنما تَحرُم فيما يقصد فيه التشبُّه من خصائصهم الدينية؛ أما مُجرد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأس بها ولا كراهة فيها ولا حُرمة.
وقد قيل لأبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة ـ وقد رُئِيَ لابسًا نعلينِ مَخصوفين بمساميرَ ـ إن فلانًا وفلانا من العلماء كرَّها ذلك؛ لأن فيه تشبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبس النِّعال التي لها شعر، وإنها من لباس الرهبان.
ونحن لو تمشينا مع التحريم لمجرد المشابهة في كل ما عُرف عنهم من العادات والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحى؛ لأنه شأن الرهبان في سائر الأمم التي تُخالفنا في الدين، ولَوَجَبَ الحكم بالحرمة على لبْس القُبَّعَة، وبذلك تعود مسألتها جَذَعَةً بعد أن طوى الزمن صفحتها، وأخذت عند الناس مسلك الأعراف العامة التي لا تتصل بتديُّن ولا فِسْقٍ ولا بإيمانٍ وكُفْرٍ.
والحقُّ أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلْق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة؛ فمَن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يُساير بيئته، وكان خُروجه عمَّا ألِفَ الناس فيها شذوذًا عن البيئة.
اختلف الفقهاء في الأخذ من اللحية كما اختلفوا في حكمها، فمنهم من يرى أن اللحية واجبة الإعفاء والترك، لا يؤخذ منها شيء على الإطلاق، ومنهم من قيده بأن يكون الأخذ ما زاد عن القبضة، ومنهم من يرى أن الأخذ دون قبضة اليد جائز، وأنه من حسن الهيئة والمنظر، وما نرجحه أن إعفاء اللحية سنة مؤكدة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحلقها مكروه، وهذا في حالات الاختيار وليس في حالة الضرورة ، فالضرورات تبيح المحظورات وفي الأمور الخلافية يحسن البعد عن التعصب، على أن من يرى أن اللحية سنة يجيز الأخذ منها .
أما عدم الصلاة وراء حالق اللحية فلم يقل به أحد من العلماء المعتبرين فالفقهاء متفقون على جواز الصلاة وراء كل بر وفاجر.
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق– رحمه الله -:
تكلم الفقهاء على حلْق اللحى، فرأى بعضهم أنه مُحرَّم، ورأى آخرون أنه مكروه، ومنهم من شدَّد فوصفه بأنه من "المنكرات"، وبأنه "سَفَهٌ وضلالة أو فِسْقٌ وجهالة".
ونحن لا نشكُّ في أن إبقاءها وعدم حلْقها كان شأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه كان يأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها، ويجعلها مُتناسبة مع تقاسيم وجهه الشريف، وأنه كان يُعنَى بتنظيفها وتخليلها بالماء، عملًا على كمال النظافة. وكان الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ يُتابعونه في كل ما يختاره ويسير عليه في مظهره وهيئته، حتى مِشْيته.
مِن سُنن الفِطْرة:
وقد وردت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديثُ تُرغِّب في توفيرها ضمن أمور تتصل كلها بالنظافة، وتحسين الهيئة وإظهار الوَقار، وعُرفت تلك الأحاديث عند العلماء بأحاديث: "خِصال الفِطْرة أو سُننها" والكلمة تَعني الآن الأشياء التي تتفق وخُلُق الإنسان في أحسن ما شاء الله من الصور، وكان في هذه الخصال الواردة مع إعفاء اللحية في تلك الأحاديث: "السواك، وقصّ الشارب والأظافر، وغسل البراجم: وهي عُقد الأصابع ومعاطفها، واستنشاق الماء وإزالة شعر الإبِط والعانة والختان" وقد أخذت هذه الخصال عند كثير من الفقهاء الباحثين عن أحكام الشريعة حكم السُّنية أو الاستحباب، وأخذت حكم الكراهة، وإعفاء اللحية واحدة من هذا الخصال لا يعدو حُكمه حُكمها وهو السُّنية والاستحباب.
على أن كلمة سُنة أخذت في دور الاجتهاد غير مَعناها في زمن التشريع، فهي عندهم ما يُثاب المرء على فعْله ولا يُعاقب على تركه. وقد كان معناها الطريقة العملية التي يستحسنها الناس، ويرى فيها النبيُّ ما يرون فيها، فيسير عليها ويُرغِّب أصحابه فيها.
عادةٌ قديمة:
وقد أرشدنا التاريخ في قديم العرب وغيرهم إلى أن إعفاء اللحْية كان عادة مُستحسنة، ولا يزال كذلك عند كثير من الأمم في علمائها وفلاسفتها، مع ما بينهم من اختلافٍ في الدين والجنسية والإقليم. يَرون فيها مظهرًا لجمال الهيئة، وكمال الوقار والاحترام.
والرسول ـ عليه السلام ـ مِن دأبه إرشاد أمته إلى ما يجعلهم في مقدمة أرباب العادات المُسْتحسنة، التي تُوفر بحسب العُرف مظاهر الوقار، وجمال الهيئة.
ومِن ذلك جاءت أحاديث الترغيب في توفير اللحْية، كما جاءت أحاديث الترغيب في السواك وتنظيف عُقد الأصابع ومَعاطفها.
الأمر بمُخالفة المُشركين:
نعم جاء في أحاديثَ خاصةٍ باللحية الأمر بالإعفاء والتوفير وعَلَّلَتْ ذلك بمُخالفة المجوس والمشركين، ومن هنا فقط أخذ بعض العلماء أن حلْق اللحْية حرام أو مُنكَر.
والذي نعرفه في كثير مما ورد عن الرسول في مثل هذه الخصال أن الأمر كما يكون للوجوب يكون لمُجرد الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وأن مُشابهة المُخالفين في الدين إنما تَحرُم فيما يقصد فيه التشبُّه من خصائصهم الدينية؛ أما مُجرد المشابهة فيما تجري به العادات والأعراف العامة فإنه لا بأس بها ولا كراهة فيها ولا حُرمة.
وقد قيل لأبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة ـ وقد رُئِيَ لابسًا نعلينِ مَخصوفين بمساميرَ ـ إن فلانًا وفلانا من العلماء كرَّها ذلك؛ لأن فيه تشبُّهًا بالرهبان فقال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبس النِّعال التي لها شعر، وإنها من لباس الرهبان.
ونحن لو تمشينا مع التحريم لمجرد المشابهة في كل ما عُرف عنهم من العادات والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحى؛ لأنه شأن الرهبان في سائر الأمم التي تُخالفنا في الدين، ولَوَجَبَ الحكم بالحرمة على لبْس القُبَّعَة، وبذلك تعود مسألتها جَذَعَةً بعد أن طوى الزمن صفحتها، وأخذت عند الناس مسلك الأعراف العامة التي لا تتصل بتديُّن ولا فِسْقٍ ولا بإيمانٍ وكُفْرٍ.
والحقُّ أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلْق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة؛ فمَن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يُساير بيئته، وكان خُروجه عمَّا ألِفَ الناس فيها شذوذًا عن البيئة.